❪?❫ السُّــــ☟ـــؤَال :سائلة من ليبيا تقول في سؤالها:بأنَّ رجل قتل ولد صديقه ،ثم صاحب أو أبو هذا الولد قام وعفا عن هذا لأنه صديق له، ولأنه ماتعمَّد أو ما أراد القتل، وعفا عنه لوجه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وتنازل عن كل حقوق أولياء الدم، ثم بعد ذلك تبدَّى لهذا الأب أن يطالب بالدية، فقامت العشيرة في مسألة الصلح، وأنَّ هذا صلح، ولا يجوز نقل الصلح إلى غير ذلك من هذه الأمور ،ووقف الأبناء الذين هم إخوان المقتول موقف محيِّر بين قبيلتهم وبين أبيهم، إلى أي المواقف يقفون ؟؟
ـ❁ـ❁ـ❁ـ❁ـ❁ـ❁ـ
❪?❫ الجَـــ☟ـــوَابُ:
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
فأقول والله المستعان:
بأنّهم يقفون إلى الحقّ، ولكن بالّتي هي أحسن بغير جفاء، وبغير عقوق، وبغير تعنّت ولا تشدّد، فيبيّن لهذا الأب موقفه من الصّلح وأنّه عفا، والله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقول: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )الشورى:40، ما تساوي الدّية إذا طالب بالدّية !! ما تساوي أمام هذه الآية !! وأمام هذا الوعد من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-
( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )، قال رجلٌ للحسن البصري “يَا أَبَا سَعِيد، إِنّي سَمِعْتُكَ الْبَارِحَةَ تَدْعُو لِمَنْ ظَلَمَكَ وَتُكْثِرُ، حَتَّى وَدِدْتُ إِنِّي كُنْتُ فِيمَنْ ظَلَمَكَ -أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَشْمَلَهُ دُعَاءُ الْحَسَن الْبَصْرِي- فَقَالَ الْحَسَنُ -رَحِمَهُ الله تَعَالَى-: “إِنَّ اللّه -عَزَّ وَجَلَّ- يقول: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )” عفا وأصلح: كان هذا العفو وبعده إصلاح، وهذا الإصلاح فهمه البصري على أنّه دعاء، الدعاء بعد العفو عن من أساء إليك، وعن من ظلمك، فنحن ننصح هذا الأب بالالتزام بهذه الآية، ورجاء الثَّواب من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
وكذلك أيضاً الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )المائدة:01، فصلحك مع هؤلاء أو مع ذلك القاتل الّذي قتل ولدك كان في محلّه، -بَارَكَ الله فِيكَ-، فأثبت أجرك، و اثبت على هذا الموقف الّذي وفّقك الله إياه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فهذا من توفيق الله -عَزَّ وَجَلَّ- لك أنّك رجوت الله والدّار الآخرة، ثمّ للمقتول والقاتل موقف آخر بين يدي اللّه –سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، هذا حقّ أولياء الدم عفوا وتنازلوا و أصلحوا فهذا خيٌر لهم، لذلك الله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول: ( وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا )الإسراء: 33.
ذكر العلماء أنّ من عدم الإسراف في القتل التنازل عن القصاص إلى الدية، أو العفو كليَّةً.
ومن الإسراف في القتل أنْ يقتل غير القاتل، ومن الإسراف في القتل أنْ يقتل القاتل ويمثل له؛ فهذا كان خير لك يا أبا المقتول، وأنت في خير وأجرك على الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وننصح قبيلة أبي المقتول أن يقفوا إلى جانبه، يقفوا إلى جانبه بماذا؟؟ بأن يثبِّتوه على ما هو عليه من الخير، ويذكِّروه بالله، وبالشّهامة الّتي هو عليها، والإكرام الّذي كان فيه، والرّجولة، والمروءة الّتي قام بها في ذاك الموقف، ووقف هذا الموقف، والموقف يحسب له، ويحسب لقبيلته ، ويحسب لعشيرته، الّذين ساندوه ، فأجرك على الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
وإذا تكرَّم أولئك الّذين فيهم القاتل فرؤا أن يأخذوا مبلغًا من المال وأنْ يكرموا به هذا الأب وقبيلة هذا المقتول، فيجعلون لهذا المقتول صدقةً جاريّة بهذا المبلغ، إن شاء الله يكون فيه خير، وأنا أنصح الجميع بالتّسديد، والمقاربة، والسّعي في الإصلاح، وتثبيت هذا الرجل الشّهم على موقفه الّذي وفّقه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ أسأل الله أن يخلف عليه بالخير، وأن يأجره في مصيبته خيراً، وأن يخلف له خيراً منها.
وشكر الله لهذه القبائل اللّيبية الّتي تسعى إلى الصّلح، والّتي تسعى إلى لمّ الشّمل، والّتي تسعى إلى وحدة الصّفّ،
فأسأل الله أن يجمع شمل أهل ليبيا شرقاً وغربًا، وشمالًا وجنوبًا على كلمة الحقّ، وعلى التّعاون، على البر والتّقوى، وعلى التّواصي بالحقّ ،التّواصي بالصّبر، وعلى التّفقّه في دين الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وعلى توحيد رَبِّ الْعَالَمِينَ، وسُنّة سيّد المرسلين -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَفَّقَ الله الْجَمِيع لِمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ