📃 خطبة بعنوان :↓
(ذلك شهر يَغْفُل الناس عنه) .
▪لشيخنا المبارك/
عبد الكريم بن قاسم الدولة
حفظه الله ورعاه
📥 لتحميل الصوتية:
https://t.me/adawla/3968
📝 ولتحميلها مستند ↓
https://t.me/adawla/3969
✍ التّفريغ↓
إن الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾،
﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا﴾،
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقولوا قَولًا سَديدًايُصلِح لَكُم أَعمالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد فازَ فَوزًا عَظيمًا﴾،
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،
أيها المؤمنون يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اركَعوا وَاسجُدوا وَاعبُدوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ ۩﴾،
اركعوا واسجدوا على مدار يومِكم وليلتِكم اركعوا واسجدوا فرضاً ونفلاً إطلاقاً وتقييداً، اركعوا واسجدوا وتقربوا من ربكم سبحانه وتعالى، فإن الصبر والصلاة من أعظم الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل ويستعين بها العبد على سائر أعماله من جهاد وصدقة وإحسان عام في سائر عباداته ومعاملاته بعد توحيد الله سبحانه وتعالى،
فَدَوَام المُثَابَرَة والمواصلة على الركوع والسجود، تجعل العبد قريبًا من ربه سبحانه وتعالى، فليس هناك موضع يكون فيه العبد أقرب إلى الله عز وجل من موضعه في سجوده بين يدي رب العالمين. سواء كان هذا السجود في فريضة أو في نافلة،
“وَاعبُدوا رَبَّكُم” استمروا على عبادة ربكم، فَدَوَامُ عبادتك لله سبحانه وتعالى على مدار أنفاسك حتى يتوفّاك الله عز وجل ﴿وَاعبُد رَبَّكَ حَتّى يَأتِيَكَ اليَقينُ﴾،
ولكن جعل الله عز وجل :
فُصولاً هي أفضل من فُصُول ومواسِمَ هي أفضل من مواسِم وساعاتٍ هي أفضل من ساعات،
بل ولحظاتٍ هي أفضل من لحظات وشهور أفضل من شهور،
تزداد فيها القربات وتَعْظُمُ فيها الحسنات وتَعْلُو فيها الدرجات لمن وفقه الله سبحانه وتعالى وقد أَظَلَّنَا موسم من هذه المواسم وشهر من هذه الشهور ووقت من هذه الأوقات أيامٌ طيبة وأوقات مباركة ألا وهو شهرُ الله شعبان ،
شهر شعبان سُمِّي بهذا الإسم كما قال الإمام ابن حجر في كتابه فتح الباري : «وسمي شعبان لِتَشَعُّبِهِم (أي العَرَب) في طلب المياه أو في الغارات بعد شهر رجب الحرام»،
وكانوا يَتَشَعَّبُون في غير ذلك أيضا،
ولما جاء الإسلام تَشَعَّبَ الناس فيه بأنواع الخير ،
فقد كان يُسَمَّى بشهر القُرّاء لأن الناس كانوا يَنْكَبُّون فيه على مصاحفهم أكثر مما كانوا قبل ذلك اِستعداداً لاستقبال شهر رمضان فكانوا يُغلِقُون حَوَانِيتَهُم ودكَاكِينَهُم، ومَحَلاتِهِم ويُقْبِلُون على قراءة القرآن،
قال أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه :كان الناس في شهر شعبان يُقْبِلُون على مصاحفهم ويُخرِجُون صَدَقَاتِهِم وَزَكَوَاتِهِم تَقْوِيَةً للضعيف والمسكين على صيام شهر رمضان،
قال سلمة بن كُهَيْل -رحمه الله-: كان يقال شهر شعبان شهر القراء.
وكان حبيب بن أبي ثابت -رحمه الله- إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء.
وكان عمرو بن قيس الملائي -رحمه الله- إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن،
بل كان نبينا صلى الله عليه وسلم كما جاء عند أحمد والنسائي من حديث أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال أسامة رضي الله تعالى عنه: قلت يا رسول الله ما أراك في شهر من الشهور تكثر من الصيام من شهر شعبان قال عليه الصلاة والسلام “ذلك شهر يَغْفُل الناس عنه بين رجب ورمضان فأُحِبُّ أن يُرْفَعَ لي عمل وأنا صائم”،
فانظروا يا عباد الله مع عظيم فضله وكان الناس في غفلة عنه،
لأنَّ الناس كانوا يَهْتَمُّون بشهر رجب لأَنَّه شهر مُعَظَّم، وهو شهر حرام، فَيَكُفُّون عما يَكُفُّون عنه من البلايا والرزايا والمعاصي والذنوب،
حتى كان أهل الجاهلية يُعَظِّمُون شهر رجب فَيَتَوَقَّفُون عن القتال وعن سفك الدم الحرام،
وشهر رمضان شهر لا يَغْفُل الناس عنه في صيام نهاره وقيام ليله، لكن هذا الشهر كان يُغْفَلُ عنه فكان يختصّه النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصيام ليجعله كالنافلة بين يدي الفريضة (صيام شهر رمضان) ولِيُذَكِّر الناس بالاستعداد لموسم الخير والدخول إليه في أَنْشَطِ ما يكون العبد من التقرب إلى الله عز وجل وجاء عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت:” ما كان النبي صلى الله عليه وسلم في شهر من السنة أكثر صياماً من شهر شعبان” فكان يصوم أكثر شعبان عليه الصلاة والسلام استعدادًا لرمضان وتَحبِيباً لهذه النَّفْس لصيام شهر رمضان والإقبال بِنَفْسٍ مُنْفَتِحَة وطاقة مُتَجَدِّدَة لاستقبال شهر رمضان بالنشاط والاجتهاد في الطاعات والعبادات،
” فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في زمنه في زمن النبوة في زمن الوحي يقول عن شهر شعبان “ذلك شهر يَغْفُل الناس عنه بين رجب ورمضان”،
فماذا نقول عن حالنا وعن زماننا وعن ما يكون من الناس في هذا الزمان نسأل الله السلامة والعافية،
فعباد الله الاجتهاد الاجتهاد في شهر شعبان لأنه شهرٌ أيضًا تُرفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل والأعمال في رفعها إلى الله سبحانه وتعالى،
كما قال الله عز وجل: ﴿ إِلَيهِ يَصعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصّالِحُ يَرفَعُهُ﴾
فيكون الرفع للأعمال الصالحة على ثلاثة أقسام:
★ القسم الأول: الرفع اليومي للأعمال ،
جاء في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال عليه الصلاة والسلام :إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يُرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل”
★ القسم الثاني: الرفع الأسبوعي للأعمال .
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن الأعمال تعرض على الله عز وجل في كل يوم إثنين وخميس،
فيغفر الله لكل عبد لا يشرك به شيئًا إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء،
فيقول الله عز وجل :
“أنْظِروا هذين حتى يصطلحا.”
★ القسم الثالث: الرّفع السنوي وهو ما يكون في شهر شعبان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم،
وقد جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” إن الله يطلّع على أهل الأرض في ليلة النصف من شعبان فيغفر الله لكل عبد إلا لمشرك ومشاحن”،
وفي حديث أبي ثعلبة الخُشَني رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن الله يطلع على أهل الأرض ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم”،
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم،
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين.
الحمد على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيماً لشانه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم الداعي إلى رضوانه ،
أما بعد، فيا عباد الله إن شهر شعبان كغيره من الشهور التي هي من جملة الأعمار والأوقات التي تنقضي فالموفق من وفقه الله سبحانه وتعالى باستغلاله ولذلك ينبغي على العبد أن يكون دائم التضرع إلى الله عز وجل ودعائه بأن يوفقه للخير، فتسبيحة في صحيفة عملك يا عبد الله خير لك من الدنيا وما فيها إذا قبلها الله عز وجل منك، فقد سمعتم كيف كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى ورضي عنهم في هذا الشهر كيف كان اِنْكِبَابُهُم على القرآن واِنْكِبَابُهُم على تفقد الفقراء والمساكين والمحتاجين حتى يُقَوُّوهم ويُعِينُوهُم على صيام شهر رمضان وعلى عبادة الله سبحانه وتعالى في شهر رمضان فما أحوجنا إلى أن نتأسّى بالسلف الصالح رحمهم الله تعالى ورضي الله تعالى عنهم فإن العبد بين إمهال من الله سبحانه وتعالى ولا يدري متى يكون أجله، فكم من إنسان كان معنا في العام الماضي في شهر شعبان ولكنه فارق الدنيا ولم يَأْتِ عليه هذا الشهر في هذه السنة إلا وقد وَارَاه التراب، وكذلك يا عباد الله علينا أن نكثر من دعاء الله سبحانه وتعالى بأن يبلغنا الله عز وجل شهر رمضان على خير وعافية فإن الإنسان لا يدري ماذا يدخل عليه شهر رمضان فكونوا على استعداد للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى دائما وأبداً ثم ليس معنى ذلك أن يبتدع المسلم له عبادة في وقت أو في زمن أو بكيفية أو بمقدار أو جنس ويتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ولذلك يقول نبينا صلى عليه وسلم” من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم” من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد”،
وننبه إلى مسألة تتعلق بالصيام في شهر شعبان بعد انتصافه لحديث ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )
فإن هذا الحديث من أهل العلم من يُحَسِّنُه ومن أهل العلم من يُضَعِّفه وخلاصة القول في هذه المسألة أن من صام قبل نصف شعبان بثلاثة أيام أو نحوها وأراد أن يواصل إلى آخر شعبان أو إلى قريب من آخره فلا حرج عليه في ذلك أو أراد أن يصوم أكثر شعبان فيصوم من أوله ما تيسر ويصوم من أوسطه ما تيسر ويصوم من آخره ما تيسر فلا حرج في ذلك وكذلك من كان له عادة من صيام كمن يصوم يوم ويفطر يوم أو يصوم الإثنين والخميس أو يصوم الأيام البيض من كل شهر فلا حرج عليه في ذلك هذا خلاصة ما في هذه المسألة والنهي للذي يَتَقَصَّد الصيام من نصف شعبان فما بعده، من غير عادة له أو عذر شرعي كقضاء صيام وغيره.
ألا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة عليه قديماً من زاده الله شرفاً وتعظيماً حيثُ ولم يزل قائلاً عليماً وآمراً حكيماً:﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيهِ وَسَلِّموا تَسليمًا﴾.اللهم صلّ وسلم وبارك وأنعم وأكرم على عبدك ونبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وارْضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وأعز الإسلام وانصر المسلمين، وأَذِلَّ الكفر والكافرين المحاربين لدينك وكتابك وسنة نبيك وأوليائك وعبادك الصالحين ، اللهم اكتب للإسلام وأهله عِزًّا ونصراً. واكتب للكفر وأهله ذُلًّا وقَهْرًا يا ذا الجلال والإكرام،
اللهم اجعل هذه البلاد آمنة مطمئنة سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين اللهم أَدِمْ رخاءها وهدوءها وأمنها واستقرارها، واحفظ ولاة أمرنا وولاة أمر المسلمين في كل مكان، اللهم اشفِ مرضانا وعافِ مُبتلانا ،اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم وبلغنا شهر رمضان على خير وعافية، وأعِنَّا على صيام نهاره وقيام ليله واجعلنا فيه من المقبولين يا رب العالمين.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاءِ ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
وأقمِ الصلاة.